كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والعجل اتخذوه في الفترة التي ذهب فيها موسى عليه الصلاة والسلام ليكلم ربه وجعل عليهم أخاه هارون ففي تلك الفترة لما أبطأ عليهم موسى لأن الله وعده ثلاثين ليلة ثم جعلها الله أربعين ليلة، فلما جعلها الله أربعين أبطأ موسى عليهم، فلما أبطأ عليهم ملوا فصنع لهم السامري عجلا من ذهب وجعل له طريقين يدخل منهما الهواء، فأخذ الهواء والريح إذا دخلت من القبل وخرجت من الدبر أحدثت صوتا فخدعهم بقوله: {هذا إلهكم وإله موسى فنسي} [طه: 88] كما أخبر الله.
هذه من جملة ما نقم الله عليهم.
الأول: أنهم سألوا موسى عليه السلام أن يروا الله جهرة {فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة}.
الثاني: أنهم اتخذوا العجل إلها من بعد ما جاءتهم البينات {ثم اتخذوا العجل من بعد ما جاءتهم البينات فعفونا عن ذلك وآتينا موسى سلطانا مبينا}.
ثم قال سبحانه: {ورفعنا فوقهم الطور بميثاقهم وقلنا لهم ادخلوا الباب سجدا وقلنا لهم لا تعدوا في السبت وأخذنا منهم ميثاقا غليظا (154)} سورة النساء.
فهذه ثلاث وقعوا فيها.
أما رفع الطور، فالطور يطلق على الجبل الذي به نبت، فإن لم يكن عليه نبات يسمى جبلا فقط ولا يطلق عليه طور.
وهل هو الطور الذي كلم الله عنده موسى عليه الصلاة والسلام أو أي جبل أخر؟
الجواب:
كلا الأمرين محتمل.
لما أعطاهم الله التوراة رفضوا أن يقبلوها، فرفع الله عليهم الجبل تهديدا بأن يلقيه عليهم فقبلوا. قال الله تعالى في سورة الأعراف: {وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة وظنوا أنه واقع بهم (171)}. فهذا من جملة ما اعترضوا عليه وهي النقيصة الثالثة.
ثم أمرهم الله أن يدخلوا باب المدينة سجدا معترفين لله بالفضل وطلب المغفرة، فدخلوا يزحفون على مقاعدهم كما أخبر الله جل وعلا وهذه النقيصة الرابعة.
والنقيصة الخامسة: أن الله جل وعلا قال: {وقلنا لهم لا تعدوا في السبت}. السبت المقصود به يوم السبت. وهذه قصة القرية التي كانت على الشاطئ. عبر الله عنها بقوله: {حاضرة البحر}. وهذه ذكرها الله في سورة الأعراف. وأنه كانت هناك قرية من بني إسرائيل حاضرة البحر أمرهم الله أن لا يصطادوا يوم السبت فكانت الحيتان تأتيهم شرعا ظاهره تدعوهم فتنة لهم يوم السبت ويوم لا يسبتون لا تأتيهم فكانوا يلقون أشرعتهم يوم الجمعة ويأتون يوم الأحد ليجمعون فيحتالون على الله جل وعلا وبئسما فعلوا.
وهذا كله حدث في فترات زمنية متفاوتة، وفي أماكن متفرقة، وعبر تاريخ طويل لكن المقصود من هذا كله، سياق بعض من جرائم اليهود بيانا وشفاء لقلب نبينا صلى الله عليه وسلم.
قال سبحانه بعدها: {وأخذنا منهم ميثاقا غليظا}.
ثم قال سبحانه: {فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء بغير حق وقولهم قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا (155) وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانا عظيما (156)}.
الآن السياق القرآني يأتي يبين هذه المعاصي ما الذي نجم عنها. يذكر القرآن المعصية إجمالا ثم يأتي بها تفصيلا.
{فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات الله} عدنا للباء السببية، أي بسبب نقضهم للميثاق، ما أخذه الله عليهم عن طريق أنبيائه ورسله من مواثيق وعهود نقضوها وهذا دأبهم في كل آن وحين.
{فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء بغير حق}.
وهذا يسميه البلاغيون مجاز مرسل، ومعلوم أن اليهود لم يقتلوا الأنبياء كلهم، لكنهم لما استباحوا دم واحد منهم كأنهم استباحوا دم الجميع. وأي إنسان يستبيح دم شخص واحد فإنه يستبيح الدماء التي توازيه. فالله عبر عن قتلهم لنبي بقتل الأنبياء جميعا، هم قتلوا يحي وقتلوا زكريا عليهم السلام فهنا عبر الله عنه بقتل الأنبياء جميعا لأن الأنبياء جميعا يجمعهم دين واحد.
{وقولهم قلوبنا غلف}.
هنا {وقولهم} لمن؟ لنبينا. {وقولهم قلوبنا غلف} والغلف جمع أغلف، وهو الشيء المطبوع المختوم الذي فيه حجاب يحول بينه وبين وصول المعرفة إليه.
{وقولهم قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا}.
هذه الأخيرة {فلا يؤمنون إلا قليلا} لها وجهان في التفسير:
الوجه الأول: أنه أسلوب تستخدمه العرب في كلامها بمعنى عديم الأيمان.
الوجه الثاني: أنهم لم يؤمنوا ألا بقليل من أنبيائهم. فلما لم يؤمنوا بالكل كأنهم لم يؤمنوا، لأن الشرع يوجب الإيمان بالأنبياء جميعا بلا استثناء، ولعل هذا أظهر....
{وبكفرهم وقولهم على مريم بهتنا عظيما}.
كرر الله الكفر ثم ذكر شيء من جرائمهم وسننتقل بعدها للنصارى.
{وبكفرهم وقولهم على مريم بهتنا عظيما}.
القول الذي قالوه في مريم هو إنها زانية، وبرأها الله جلا وعلا كما هو معلوم في كتابه.
{وقولهم على مريم بهتنا عظيما}.
البهتان هو الكذب والإفك والقول بلا حق ولا علم ولا بينة كله يمكن تسميته بالبهتان. أما مريم فهي سيدة نساء العالمين ولم يذكر الله جلا وعلا في القرآن اسم امرأة باسمها الصريح إلا هي عليها الصلاة والسلام، رغم أنها ليست بنبيه لأن الله جل وعلا قال في سورة يوسف: {وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم} فلا يوجد نبي امرأة، ما بعث الله امرأة قط، لكنها الوحيدة من النساء عبر التاريخ كله التي ذكرت باسمها الصريح في القرآن وهي سيده نساء العالمين كما جاء ذلك في صحيح السنة مريم البتول العذراء اسمها مريم بمعنى عابدة أو خادمة الرب. وقصتها أشهر من أن تعرف {واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا} [مريم: 16]. شرقي بيت المقدس. جاءها روح القدس جبريل عليه الصلاة والسلام ونفخ في جيب درعها فحملت بعيسى، وبعد أن وضعته أتت به قومها فكذبوه واختلفوا فيه، منهم من صدقها ومنهم من كذبها وكان مولد المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام.
فالله هنا يقول من جرائم اليهود رميهم لمريم المبرئة بالزنا وبكفرهم وقولهم على مريم بهتنا عظيما.
{وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا * بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما} [النساء: 157- 158].
هذا يقودنا للحديث عن النصارى، كما تحدثنا عن اليهود والتفصيل كالتالي:
ولد عيسى ابن مريم فحملته أمه، وأتت به للملأ من بني إسرائيل فأنكروه، وقالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا فأشارت إليه فأنطقه الله في المهد: {قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا} سورة مريم (30). وما اختلف الناس في رجل كما اختلفوا في عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام. أخذ يدعو إلى ربه، فأسلم على يديه أقوام سموا في القرآن بالحواريين وهم خاصة أصحابه عليه الصلاة والسلام، ثم لما ظهر أمره خاف خصومه وأعدائه من اليهود فتآمروا على قتله فبعضهم يعرفه بعينه وبعضهم يعرفه باسمه، فلما أجمعوا أمرهم على قتله، أخذوا معهم شخصا يدلهم على مكانه، فلما دخلوا عليه ليقتلوه رفعه الله جل وعلا إليه، وألقى شبهه على غيره.
مع اختلاف بين العلماء فيمن ألقي عليه الشبه، فقيل أنه عبد من الحواريين صالح ألقى الله عليه الشبه غير عيسى. وقيل أن الرجل الذي دلهم عليه وهو يهوذا عند بعض المفسرين هو الذي ألقى الله عليه شبه عيسى فقتله اليهود ظنا منهم أنه عيسى عليه الصلاة والسلام.
وجملة الأمر أن الله جلا وعلا شبه لهم شخصا غير عيسى ورفع عيسى إلى السماء، كما قال ربنا في صريح القران: {بل رفعه الله إليه}. وهذا الذي شبه به اختلفوا فيه. فلما أخذوه قالوا إن كان هذا عيسى فأين صاحبنا؟ وان كان هذا صاحبنا فأين عيسى؟
فأخذوه وصلبوه وقتلوه اعتقادا منهم أنهم ينتقمون منه. وكان هذا في بيت المقدس في المكان المسمى اليوم بكنيسة القيامة وتعظمه النصارى وسيأتي لماذا تعظمها النصارى.
رفع الله عيسى إلى السماء، فالله جل وعلا يقول إن اليهود تزعم أنها قتلت عيسى، فالله أنكر ورد على اليهود قولهم أن عيسى قتل أو صلب، بل أنه سبحانه رفعه إليه فهو حي جسدا وروحا في السماء الثانية كما قابله النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج. وسينزل كأمارة وعلامة من علامات الساعة.
معتقدات النصارى في عيسى:
نرجع للنصارى وعيسى. فبعد رفعه النصارى صدقوا اليهود في أن عيسى صلب وقتل، وقالوا إن الله جل وعلا- وعلى هذا تقوم عقيدة النصارى- يقولون إن الله عدل ومن عدله ألا يترك الخطيئة بلا عقوبة. فيقولون أن آدم أكل من الشجرة فارتكب الخطيئة فلما أكل من الشجرة وارتكب الخطيئة واهبطه الله، كل ذريته ترث خطيئته. وقالوا لابد أن تكفر الخطايا عن الذرية. ولما كان الله من صفاته مع العدل الرحمة تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا، بعث ولده الذي هو عيسى. وأنزله إلى الأرض وأحله في الناسوت بدل اللاهوت، يعني أنسي. وصلب هذا وقتل حتى يكفر عن البشر كلهم خطيئة أبيهم آدم. فمن آمن أن عيسى ضحى من أجل البشر أصبح مؤمنا ينجوا يوم القيامة، ومن لم يؤمن أن عيسى ضحى من أجل البشر لا يعتبر مؤمن.
كيف يؤمنون الناس؟ عندهم ما يسمى بالتعميد. وصفته أن يأتوا بالطفل على خلاف في المذاهب عندهم، لكن قد يأتوا بطفل شباب لكن غالب المذاهب عندهم يأتون بالطفل الصغير. إما أن يضعونه في مكان فيه ماء كحوض أو يرشون عليه الماء. ويقولون باسم الأب والابن وروح القدس. فإذا قالوا هذه الثلاثة يعتقدون أن هذا الابن عمد وإذا عمد طهر من الذنوب والخطايا فأصبح قابلا للنجاة يوم القيامة. وهم عندهم جنة ونار وعندهم حساب، لكن بناء على هذا الاعتقاد. ثم يختلفون هؤلاء النصارى على ثلاث طوائف رئيسية وهي الأرثوذكس وهؤلاء انفصلوا في عام 1054م عن الكاثوليك، والكاثوليك هي الكنيسة الأم والبروتستانت هي الكنيسة الثالثة.
فأصبحت ثلاث كنائس رئيسيه. نفصل فيهم على النحو التالي:
1ـ الكاثوليك:
وهي الكنيسة التي في روما اليوم، والتي تتبع البابا يوحنا بولس الثالث وجل كنائس العالم في النصارى تابعة للكاثوليك.
2- الأرثوذكس:
وهؤلاء أقل منهم ومعناها مستقيم المعتقد حسب ظنهم. وهذه خرجت عن الكنيسة الأم ويتبعها بعض الكنائس؛ كالتي في مصر تتبع البابا شنوده الثالث، وهذا تابع لهذه الكنيسة.
3- حركة إصلاحية:
وقد خرجت من الكاثوليك في القرن الثامن عشر الميلادي تقريبا على يدي مارتي لورثر واسمها الكنيسة البروتستانت، وهذه تؤمن بأن لليهود منة على النصارى وهذه الكنيسة الثالثة هي التي يدين بها الرئيس الأمريكي المعاصر ورئيس الوزراء البريطاني المعاصر تورن بلير الذي يجمع بينهما ارتباطهما حاليا بهذه الكنيسة. أما الكنيسة التي في روما فهي منفكة عنهم ولا علاقة لها بهم.
إذن ينجم عن هذا أن النصارى غالبا هم ثلاث فرق، ويوجد فرق شتى غير هذه لكن هذه الفرق الثلاثة هي الأم يجتمعون في أمور ويختلفون في أمور أقل منها لكن جميعهم يتفقون على أن الأقانيم ثلاثة وهم الأب والابن وروح القدس تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا، وقد رد الله على الجميع في كتابه وسيأتي في الدرس القادم كيف رد الله جل وعلا عليهم اليوم فقط العرض.